قصيدة أبي تمام : السيفٌ أصدقُ أنباءً منَ الكتبِ - مع الشرح

السيفٌ أصدقُ أنباءً منَ الكتبِ “مع الشرح”



السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ أَنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ
فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ

بيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُـودُ الصَّحَائِـفِ فِـي
مُـتُـونِـهـنَّ جــــلاءُ الــشَّـــك والــريَـــبِ

والعِـلْـمُ فِــي شُـهُـبِ الأَرْمَــاحِ لاَمِـعَـةً
بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ

أَيْــنَ الـروايَـةُ بَــلْ أَيْــنَ النُّـجُـومُ وَمَـــا
صَاغُـوه مِـنْ زُخْـرُفٍ فيهـا ومــنْ كَــذِبِ

تَــخَـــرُّصَـــاً وأَحَــادِيـــثـــاً مُــلَــفَّــقَـــةً
لَـيْـسَـتْ بِـنَـبْــعٍ إِذَا عُــــدَّتْ ولاغَــــرَبِ

عَـجَـائِـبـاً زَعَــمُـــوا الأَيَّـــــامَ مُـجْـفِـلَــةً
عَنْـهُـنَّ فِــي صَـفَـرِ الأَصْـفَـار أَوْ رَجَــبِ

وخَوَّفُـوا الـنـاسَ مِــنْ دَهْـيَـاءَ مُظْلِـمَـةٍ
إذَا بَــدَا الكَـوْكَـبُ الْغَـرْبِـيُّ ذُو الـذَّنَــبِ

وَصَــيَّــروا الأَبْـــــرجَ الـعُـلْـيــا مُـرَتِّــبَــةً
مَـــا كَـــانَ مُنْقَـلِـبـاً أَوْ غــيْــرَ مُـنْـقَـلِـبِ

يقـضـون بـالأمـرِ عنـهـا وهْــيَ غـافـلـةٌ
مـادار فِــي فـلـكٍ منـهـا وفِــي قُـطُـبِ

لــو بيَّـنـت قـــطّ أَمـــراً قـبْــل مَـوْقِـعِـه
لــم تُـخْـفِ مـاحـلَّ بـالأوثـانِ والـصُّـلُـبِ

فَـتْـحُ الفُـتـوحِ تَـعَـالَـى أَنْ يُـحـيـطَ بِـــهِ
نَظْـمٌ مِـن الشعْـرِ أَوْ نَثْـرٌ مِـنَ الخُـطَـبِ

فَـتْــحٌ تـفَـتَّــحُ أَبْــــوَابُ الـسَّـمَــاءِ لَــــهُ
وتَـبْـرزُ الأَرْضُ فِــي أَثْـوَابِـهَـا الـقُـشُـبِ

يَــا يَـــوْمَ وَقْـعَــةِ عَـمُّـوريَّـةَ انْـصَـرَفَـتْ
مِنْـكَ المُنَـى حُـفَّـلاً مَعْسُـولَـةَ الحَـلَـبِ

أبقيْـتَ جِـدَّ بَنِـي الإِسـلامِ فِــي صَـعَـدٍ
والمُشْرِكيـنَ ودَارَ الشـرْكِ فِـي صَبَـبِ

أُمٌّ لَــهُـــمْ لَـــــوْ رَجَـــــوْا أَن تُــفْــتَــدى
جَـعَـلُـوا فـدَاءَهَــا كُـــلَّ أُمٍّ مِـنْـهُـمُ وَأَب

وَبَــرْزَةِ الـوَجْــهِ قَـــدْ أعْـيَــتْ رِيَاضَـتُـهَـا
كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَـنْ أَبِـي كَـرِبِ

بِـكْــرٌ فَـمــا افْتَرَعَـتْـهَـا كَــــفُّ حَــادِثَــةٍ
وَلا تَــرَقَّـــتْ إِلَـيْــهَــا هِــمَّـــةُ الــنُّـــوَبِ

مِـنْ عَـهْـدِ إِسْكَـنْـدَرٍ أَوْ قَـبـل ذَلِــكَ قَــدْ
شَابَتْ نَواصِي اللَّيَالِي وهْيَ لَمْ تَشِبِ

حَـتَّـى إذَا مَـخَّـضَ اللهُ السـنـيـن لَـهَــا
مَخْـضَ البِخِيلَـةِ كـانَـتْ زُبْــدَةَ الحِـقَـبِ

أَتَـتْـهُـمُ الـكُـرْبَــةُ الــسَّــوْدَاءُ سَــــادِرَةً
مِنْـهَـا وكــانَ اسْمُـهَـا فَـرَّاجَـةَ الـكُــرَبِ

جَــرَى لَـهَـا الـفَـألُ بَـرْحَـاً يَـــوْمَ أنْـقِــرَةٍ
إذْ غُودِرَتْ وَحْشَـةَ السَّاحَـاتِ والرِّحَـبِ

لـمَّـا رَأَتْ أُخْتَـهـا بِـالأَمْـسِ قَــدْ خَـرِبَـتْ
كَـانَ الْخَـرَابُ لَهَـا أَعْــدَى مــن الـجَـرَبِ

كَـمْ بَيْـنَ حِيطَانِـهَـا مِــنْ فَــارسٍ بَـطَـلٍ
قَانِـي الـذَّوائِـب مــن آنــي دَمٍ سَــربِ

بسُنَّـةِ السَّـيْـفِ والخـطـي مِــنْ دَمِــه
لاسُـنَّـةِ الـديـن وَالإِسْـــلاَمِ مُخْـتَـضِـبِ

لَـقَــدْ تَـرَكــتَ أَمـيــرَ الْمُـؤْمـنـيـنَ بِــهــا
لِلـنَّـارِ يَـوْمـاً ذَلـيـلَ الصَّـخْـرِ والخَـشَـبِ

غَـادَرْتَ فيهـا بَهِيـمَ اللَّيْـلِ وَهْـوَ ضُحًـى
يَشُـلُّـهُ وَسْطَـهَـا صُـبْــحٌ مِـــنَ الـلَّـهَـبِ

حَـتَّـى كَــأَنَّ جَلاَبـيـبَ الـدُّجَـى رَغِـبَـتْ
عَـنْ لَوْنِهَـا وكَـأَنَّ الشَّـمْـسَ لَــم تَـغِـبِ

ضَــوْءٌ مِـــنَ الـنَّــارِ والظَّـلْـمَـاءُ عـاكِـفَـةٌ
وَظُلْمَةٌ مِنَ دُخَانٍ فِـي ضُحـىً شَحـبِ

فالشَّمْـسُ طَالِعَـةٌ مِـنْ ذَا وقــدْ أَفَـلَـتْ
والشَّمْـسُ وَاجِبَـةٌ مِــنْ ذَا ولَــمْ تَـجِـبِ

تَـصَـرَّحَ الـدَّهْـرُ تَـصْـريـحَ الْـغَـمَـامِ لَـهــا
عَـنْ يَــوْمِ هَيْـجَـاءَ مِنْـهَـا طَـاهِـرٍ جُـنُـبِ

لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ فيـهِ يَـومَ ذَاكَ علـى
بــانٍ بـأهـلٍ وَلَــم تَـغْـرُبْ عـلـى عَــزَبِ

مَــا رَبْــعُ مَـيَّــةَ مَـعْـمُـوراً يُـطِـيـفُ بِـــهِ
غَيْـلاَنُ أَبْهَـى رُبـىً مِـنْ رَبْعِهَـا الـخَـرِبِ

ولا الْـخُـدُودُ وقــدْ أُدْمـيـنَ مِــنْ خـجَـلٍ
أَشهى إلى ناظِـري مِـنْ خَدهـا التَّـرِبِ

سَـمـاجَـةً غـنِـيَـتْ مِـنَّــا الـعُـيـون بِـهــا
عَـنْ كـل حُسْـنٍ بَــدَا أَوْ مَنْـظَـر عَـجَـبِ

وحُـسْــنُ مُـنْـقَـلَـبٍ تَـبْـقــى عَـوَاقِـبُــهُ
جَــاءَتْ بَشَاشَـتُـهُ مِــنْ سُــوءِ مُنْقَـلَـبِ

لَـوْ يَعْلَـمُ الْكُفْـرُ كَـمْ مِـنْ أَعْصُـرٍ كَمَنَـتْ
لَـهُ العَـواقِـبُ بَـيْـنَ السُّـمْـرِ والقُـضُـبِ

تَــدْبــيـــرُ مُـعْــتَــصِــمٍ بِاللهِ مُــنْــتَــقِــمٍ
للهِ مُــرْتَــقِــبٍ فِــــــي اللهِ مُــرْتَــغِــبِ

ومُطْـعَـمِ النَّـصـرِ لَـــمْ تَـكْـهَـمْ أَسِـنَّـتُـهُ
يـوْمـاً ولاَ حُجِـبَـتْ عَــنْ رُوحِ مُحْـتَـجِـبِ

لَـمْ يَـغْـزُ قَـوْمـاً، ولَــمْ يَنْـهَـدْ إلَــى بَـلَـدٍ
إلاَّ تَـقَـدَّمَــهُ جَــيْــشٌ مِـــــنَ الــرعُـــبِ

لَوْ لَمْ يَقُدْ جَحْفَـلاً ، يَـوْمَ الْوَغَـى ، لَغَـدا
مِنْ نَفْسِهِ ، وَحْدَهَا ، فِي جَحْفَلٍ لَجِبِ

رَمَــــى بِــــكَ اللهُ بُـرْجَـيْـهَـا فَـهَـدَّمَـهــا
ولَــوْ رَمَــى بِــكَ غَـيْـرُ اللهِ لَـــمْ يُـصِــبِ

مِــنْ بَـعْـدِ مــا أَشَّبُـوهـا واثـقـيـنَ بِـهَــا
والـلَّـهُ مِفْـتـاحُ بَــابِ المَعـقِـل الأَشِــبِ

وقــــال ذُو أَمْــرِهِــمْ لا مَــرْتَــعٌ صَــــدَدٌ
للسَّارِحـيـنَ ولـيْـسَ الــوِرْدُ مِــنْ كَـثَـبِ

أَمـانـيـاً سَلَـبَـتْـهُـمْ نُــجْــحَ هَـاجِـسِـهـا
ظُبَى السُّيُوفِ وأَطْـرَاف القنـا السُّلُـبِ

إنَّ الحِمَامَيْـنِ مِـنْ بِـيـضٍ ومِــنْ سُـمُـرٍ
دَلْـوَا الحياتيـن مِـن مَـاءٍ ومــن عُـشُـبٍ

لَـبَّـيْـتَ صَـوْتــاً زِبَـطْـرِيًّـا هَــرَقْــتَ لَــــهُ
كَـأْسَ الكَـرَى وَرُضَــابَ الـخُـرَّدِ الـعُـرُبِ

عَـداكَ حَــرُّ الثُّـغُـورِ المُسْتَضَـامَـةِ عَــنْ
بَـرْدِ الثُّغُـور وعَـنْ سَلْسَالِـهـا الحَـصِـبِ

أَجَـبْـتَــهُ مُـعْـلِـنـاً بـالـسَّـيْـفِ مُنْـصَـلِـتـاً
وَلَـوْ أَجَـبْـتَ بِغَـيْـرِ السَّـيْـفِ لَــمْ تُـجِـبِ

حتّـى تَـرَكْـتَ عَـمـود الـشـرْكِ مُنْعَـفِـراً
ولَــم تُـعَـرجْ عَـلـى الأَوتَـــادِ وَالـطُّـنُـبِ

لَمَّـا رَأَى الـحَـرْبَ رَأْيَ العـيـن تُوفَـلِـسٌ
والحَرْبُ مُشْتَقَّـةُ المَعْنَـى مِـنَ الحَـرَبِ

غَــــدَا يُــصَــرفُ بِــالأَمْـــوال جِـرْيَـتَـهــا
فَــعَــزَّهُ الـبَـحْــرُ ذُو الـتَّـيــارِ والــحَــدَبِ

هَيْـهَـاتَ ! زُعْـزعَـتِ الأَرْضُ الـوَقُـورُ بِــهِ
عَـن غَـزْوِ مُحْتَـسِـبٍ لاغــزْو مُكتـسِـبِ

لَــمْ يُنـفِـق الـذهَـبَ المُـرْبـي بكَـثْـرَتِـهِ
علـى الحَصَـى وبِـهِ فَقْـرٌ إلـى الذَّهَـبِ

إنَّ الأُسُـــودَ أســـودَ الـغـيـلِ هـمَّـتُـهـا
يَومَ الكَرِيهَةِ فِي المَسْلـوب لا السَّلـبِ

وَلَّــى، وَقَــدْ أَلـجَـمَ الخـطـيُّ مَنْطِـقَـهُ
بِسَكْتَـةٍ تَحْتَهـا الأَحْشَـاءُ فِــي صـخَـبِ

أَحْـذَى قَرَابينـه صَـرْفَ الـرَّدَى ومَضـى
يَحْـتَـثُّ أَنْـجـى مَطَـايـاهُ مِـــن الـهَــرَبِ

مُـــوَكـــلاً بِــيَــفَــاعِ الأرْضِ يُــشْــرِفُــهُ
مِـنْ خِفّـةِ الخَـوْفِ لامِـنْ خِفَّـةِ الـطـرَبِ

إنْ يَعْـدُ مِـنْ حَرهَـا عَـدْوَ الظَّلِيـم ، فَقَـدْ
أَوْسَعْـتَ جاحِمَهـا مِـنْ كَثْـرَةِ الحَـطَـبِ

تِسْعُـونَ أَلْفـاً كآسـادِ الشَّـرَى نَضِجَـتْ
جُلُودُهُـمْ قَـبْـلَ نُـضْـجِ التـيـنِ والعِـنَـبِ

يـــارُبَّ حَـوْبَــاءَ لـمَّــا اجْـتُــثَّ دَابِـرُهُــمْ
طابَتْ ولَوْ ضُمخَتْ بالمِسْـكِ لَـمْ تَطِـبِ

ومُغْضَـبٍ رَجَعَـتْ بِيـضُ السُّـيُـوفِ بِــهِ
حَيَّ الرضَـا مِـنْ رَدَاهُـمْ مَيـتَ الغَضَـبِ

والـحَـرْبُ قائـمَـةٌ فِـــي مـــأْزِقٍ لَـجِــجٍ
تَجْثُـو القِيَـامُ بِـه صُـغْـراً عـلـى الـرُّكَـبِ

كَـمْ نِيـلَ تحـتَ سَناهَـا مِـن سَنـا قـمَـرٍ
وتَـحْـتَ عارِضِـهـا مِــنْ عَــارِضٍ شَـنِـبِ

كَمْ كَانَ فِي قَطْـعِ أَسبَـاب الرقَـاب بِهـا
إلــى المُـخَـدَّرَةِ الـعَـذْرَاءِ مِـــنَ سَـبَــبِ

كَـمْ أَحْــرَزَتْ قُـضُـبُ الهـنْـدِي مُصْلَـتَـةً
تَهْـتَـزُّ مِــنْ قُـضُـبٍ تَـهْـتَـزُّ فِـــي كُـثُــبِ

بـيــضٌ ، إذَا انتُـضِـيَـتْ مِــــن حُـجْـبِـهَـا
رَجعَتْ أَحَقُّ بالبيض أتْرَاباً مِنَ الحُجُـبِ

خَلِيفَـةَ اللَّـهِ جـازَى اللَّـهُ سَعْـيَـكَ عَــنْ
جُرْثُومَـةِ الـديْـنِ والإِسْــلاَمِ والحَـسَـبِ

بَـصُـرْتَ بالـرَّاحَـةِ الكُـبْـرَى فَـلَـمْ تَـرَهـا
تُـنَـالُ إلاَّ عـلــى جـسْــرٍ مِـــنَ الـتَّـعـبِ

إن كـان بَيْـنَ صُـرُوفِ الدَّهْـرِ مِـن رَحِــمٍ
مَـوْصُـولَـةٍ أَوْ ذِمَـــامٍ غــيْــرِ مُـنْـقَـضِـبِ

فـبَـيْـنَ أيَّـامِــكَ الـلاَّتــي نُـصِــرْتَ بِـهَــا
وبَـيْــنَ أيَّـــامِ بَــــدْرٍ أَقْــــرَبُ الـنَّـسَــبِ

أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسْمِهـمُ
صُـفْـرَ الـوجُـوهِ وجـلَّـتْ أَوْجُــهَ الـعَـرَبِ

شرح القصيدة

السيف أصدق أنباء من الكتب … في حدِّه الحد بين الجد واللعب
المعنى : ( الكتب ) أي نبوءات المنجمين ، والسيف أصدق من نبوءاتهم . وكلمة ( حد) الأولي للسيف ، ما يقطع به ، أما الثانية فهي الفاصل بين الشيئين ، أي أن حد السيف هو الذي يفصل بين الجد واللعب . وفي البيت جمال يتمثل في الجناس ، في كلمتي الحد (والجناس هو اتفاق كلمتين في الرسم والنطق واختلافهما في المعنى ) ، وأيضا في
التضاد ) بين كلمتي ( الجد ، اللعب ) .

بيض الصفائح لا سود الصحائف في … متونهن جلاء الشك والرِّيَب
الصفائح هي السيوف ، والصحائف هي الكتب ، والجلاء كشف الأمر ورفع الغطاء عنه .
والمعني أن السيوف هي التي تفصل بين الحق والباطل حتى تتبينه . وبالبيت أيضا جناس بين كلمتي ( الصفائح والصحائف ) ويسمي تجنيس القلب لأن هجاء الكلمتين متساوٍ وإنما تقدّمت الفاء في ( الصفائح ) ، وأيضا التضاد بين كلمتي ( بيض ) ، ( سود )، مما يضفي على الشعر جماله , ما لم يكن متكلّفا .

والعلم في شهب الأرماح لامعة … بين الخميسين لا في السبعة الشهب
شهب الأرماح : أسنة الرماح ، الخميسان : الجيشان ، ويقال إن الجيش سُمِّيَ خميسا في زمان كانت الملوك إذا غزت أخذت خمس الغنائم لأنفسها ، فالخميس إذا في معنى المخموس أي المأخوذ منه الخمس .
السبعة الشهب : الكواكب والنجوم التي استند إليها المنجمون في أخبارهم .
والمعنى أن الأخبار الحقيقية هي في أسنة الرماح اللامعة لا في ما استدل عليه المنجمون عن طريق النجوم والكواكب .

أين الرواية أم أين النجوم وما … صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
الزّخرف : ما يعجبك من متاع الدنيا ، ويقال للقول المحَسَّن المكذوب زخرف . والشاعر يتساءل على سبيل الاستخفاف والتهكم عن أخبار المنجمين الكاذبة .

تخَرُّصا وأحاديثا ملفَّقة … ليست بنبع إذا عُدَّت ولا غَرَب
التخرص : الكذب وافتراء القول ، ملفقة : أي ضم بعضها إلى بعض وليست من شكل واحد ، النبع : شجر صلب ينبت في رؤوس الجبال تتخذ منه القِسيّ ( جمع قوس ) ، والغَرَب شجر ينبت على الأنهار ليست له قوة . والمعنى أن أحاديث المنجمين لاهي قوية ولا هي ضعيفة ، أي لاتصلح لشيء.

عجائبا زعموا الأيام مجفلة …. عنهن في صفر الأصفار أو رجب
مجفلة : نقول أجفلت الحُمُر أو النعام إذا أحست بأمر يذعرها فهربت منه بعجلة ورعب .
صفر الأصفار تعظيم لشهر صفر حيث ينتظر فيه أمر شاق وعظيم ، كما يقال فارس الفرسان أو ملك الملوك. والمعنى أن المنجمين أخبروا عن أمور شاقة تظهر في شهر صفر أو رجب وأن الأيام تسرع في إظهارها .

وخوَّفوا الناس من دهياء مظلمة …. إذا بدا الكوكب الغربيُّ ذو الذنَب
الدهياء : الداهية ، يقال داهية دهياء ودهواء ، كما يقال ليلة ليلاء أي شديدة الظلمة ، والذنب : لذيل.
والمعنى أن المنجمين قد حكموا بأن طلوع الكوكب الموصوف يكون فتنة وشرا عظيما .

وصيروا الأبرج العليا مرتِّبة …. ما كان منقلبا أو غير منقلب
صيّروا : أي صيروا التدبير للنجوم
الأبرج : بروج السماء التي أولها الحمل وآخرها الحوت
والمنجمون يزعمون أن البروج على ثلاثة أقسام ، أربعة منقلبة ، وهي : الحمل والسرطان والميزان والجدي ، وأربعة ثابتة ، وهي : الثور والأسد والعقرب والدلو ، وأربعة ذوات جسدين ، وهي : الجوزاء والسنبلة والقوس والحوت .وكان المنجمون يحكمون في أخبارهم بهذه البروج ، إذا ورد عليهم خبر في وقت الطالع فيه برج ثابت حققوه ، وإذا كان الطالع برجا منقلبا لم يحققوه .

يقضون بالأمر عنها وهي غافلة …. ما دار في فلك منها وفي قطب

الفلك : مدار النجوم ، والقطب ، كل ما ثبت فَدار عليه شيء . وفي السماء قطب الجنوب وقطب الشمال . والمعنى أن المنجمين يدعون بأن الأخبار تأتيهم من هذه الأفلاك والأقطاب وهي لا تعرف شيئا عن ذلك .

لو بينت قطُّ أمرا قبل موضعه …. لم تخْفِ ما حلَّ بالأوثان والصُّلُب
الأوثان : ما يعبد من دون الله ، والصُّلُب جمع صليب
والمعنى أنه لو بينت هذه البروج أمرا يحدث قبل وقوعه لبينت أمر هذا الفتح .

فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ….. نظم من الشعر أو نثر من الخطب
يقال : فتح الفتوح لتعظيم شأن هذا الفتح الذي لا يوفِّيه حقه شعر أو خطب .
ولكن ما يؤخذ على الشاعر في هذا البيت استخدامه تعبير ( تعالى أن ) لأن مثل هذا التعبير يقع في الثناء على الله عزَّ وجلّ .

فَتْحٌ تفتَّحُ أبواب السماء له …. وتبرز الأرض في أثوابها القُشُب
تفتَّح أي تتفتح وحذفت إحدى التاءين للتخفيف ، وهو أمر مألوف في كلام العرب .
القشب : جمع قشيب وهو الجديد
والمعنى أن هذا الفتح ، لعظمته ، تتفتح له أبواب السماء بالغيث والرحمة ، وتتزين له الأرض بأثوابها الجديدة .

يا يوم وقعة ( عمّورية ) انصرفت … منك المنى حُفَّلا معسولة الحَلَب
حفّلا : جمع حافل وهي الشاة أو الناقة التي امتلأ ضرعها باللبن واستعار الشاعر
هذه الصفة للمُنى .
معسولة : المعسولة التي أضيف إليها العسل ، يقال : عسلت الطعام فهو معسول ، وعسّلته فهو مُعَسّل .
الحَلَب : ما حُلِب من اللبن .

أبقيتَ جدّ بني الإسلام في صَعَدٍ …. والمشركين ودارَ الشرك في صَبَب
المعاني: الجدّ هنا الحظّ … صعد ، الصعد المكان الذي يصعد فيه، والصبب المكان الذي يُنصبُّ فيه أي يُنحدَر ، ويقال لهما الصَّعود والصّبوب .
ويكون المعنى أن هذا الفتح رفع حظَّ المسلمين وحطَّ من حظّ الشرك والمشركين .

أُمّ لهم لو رجوا أن تفتدى جعلوا ….. فِداءاها كلَّ أم منهمُ وأب
المعنى أن هذه البلدة كانت أمَّهم تجمعهم وتضمهم كما تضم الأم ولدها ، فلو استطاعوا لافتدوا خرابها بأمهاتهم اللاتي ولدنهم وبآبائهم .

وبرزة الوجه قد أعيت رياضتُها …… كسرى وصدّت صدودا عن أبي كرِب
يقال : امرأة برزة إذا كانت تخاطب الرجال ولا تتستّر منهم ، وزعم اقوم أنه يقال للحييَّة برزة ، أي أن الكلمة من الأضداد . وعلى هذا يمكن تفسير البيت على وجهين ، فإذا اعتمدنا المعنى الأول ، يكون معنى البيت : إن المدينة مع بروزها للنظر قد أعيت كسرى إذ كان لا يقدر عليها، وأبو كرِب كنية أحد أتباع كسرى . أما إذا اعتمدنا المعني الثاني لكلمة برزة ، يكون معنى البيت أن هذه البلدة كانت كالمرأة المتخفِّرة التي لا ينظر إليها أحد حتى فتحها المعتصم بالله .

بكرٌ فما افترعتها كف حادثة …. ولا ترقَّت إليها هِمَّة النُّوَب
افترعها : افتضَّها ــــ النُوَّب : النوائب جمع نائبة ( وهو جمع نادر )
أي أن هذه المدينة لم تفتح من قبل، ولم تصبها أية نائبة .

من عهد اسكندرٍ أو قبل ذلك قد ….. شابت نواصي الليالي وهْيَ لم تشبِ
المعنى أن هذه المدينة كانت عزيزة منيعة منذ عهد الاسكندر أو قبله وكانت محتفظة برونقها وبهائها . ويلاحظ جمال الاستعارة في قوله ( شابت نواصي الليالي ) فاستعار الشيب من صفات البشر لليالي .

حتّى إذا مخَّض الله السنين لها …. مخْضَ البخيلة كانت زُبدة الحِقَب
قيل إن الاستعارة الواردة في هذا البيت لم تستعمل قبل أبي تمام.
وأصل( المخْض ) في اللبن ، يقال : مخضت ( الوَطْب ) أي سقاء اللبن ، مخضا إذا حرَّكته لتخرج زُبده .
الحِقَب : جمع حقبة ، وهي فترة طويلة من الدهر غير محدَّدة .
ومعنى البيت أن هذه المدينة لما أغفلتها السِّنون حتى حسُنت وصارة زبدة أتاها المعتصم ففتحها وجمع خيراتها كما يجمع خير ما في اللبن بالمخض . وجعل أبو تمام المخض مخض البخيلة لأنها تطيل مدة المخض لتحصل على جميع ما في اللبن من الزبد.

أتتهم الكربة السوداء سادرة …. منها وكان اسمها فرّاجة الكُرَب
الكربة : الأمر المحزن والخطب الشديد ، وتوصف بالسواد لشدتها كأنها ليل مظلم .
سادرة : يقال : سَدِرَت العين إذا أظلمت ، أو من سَدَرَ ، أي جاء لا يهتم بشيء
منها : أي من عمورية
والمعنى أن الخطب الشديد والكربة المظلمة أتت هؤلاء القوم من مدينتهم التي كانت رمزا لبهجتهم وسرورهم حتى كان يقال عنها إنها فرَّاجة الكرب .

جرى لها الفأل برحا يوم أنقِرةٍ …. إذ غودرت وحشةَ الساحات والرِّحَب
الفأل : كلمة تستخدم غالبا في معنى الخير ، ضد ( الطِّيَرَة ) أي التشاؤم ، ويجوز أن تستخدم في معنى الشر ، واستخدمها الشاعر هنا بمعنى الشر .
بَرْحا : مصدر بَرَحَ يبرَح ، من البارح ( ما يوجب التشاؤم ) وهو ضد السانح
ما يوجب التفاؤل ) وللكلمتين تفصيلات في اللغة واختلافات لا داعي للخوض فيها مخافة الإثقال على القارئ .
ومعنى البيت أن خراب أنقرة بعد أن هُجِرت وتركت موحِشة كان نذير نحس وشؤم على عموريّة .

لمّا رأت أختها بالأمس قد خَرِبت …. كان الخراب لها أعدى من الجَرَب
الجَرَب : المرض الجلديّ المعروف بسرعة انتقاله من المصاب إلى السليم ويضرب به المثل في العدوى، يقال ( يعدي كما يعدي السليمَ الأجربُ ) .
والمعنى أن انتقال الخراب من أنقرة إلى عموريّة كان أسرع من انتقال عدوى الجرب

كم بين حيطانها من فارسٍ بطلٍ …. قاني الذوائب من آني دمٍ سَرِب
قاني : مُحْمَرّ … الذوائب جمع ذؤابة وهي ناصية الرأس … آني: حارّ … سَرِب: سائل
والمعنى : كم من الفوارس الأبطال قي هذه المدينة أصبحوا حمْر النواصي من الدم الحارّ السائل منها .

بسُنَّة السيف والحنَّاءُ من دمِه …. لا سُنَّة الدين والإسلامِ مُخْتَضِب
مختضب : الاختضاب هو صبغ الشعر بالحِنّاء . وكان الصحابة والتابعون يرون من السُنّة أن يخضبوا شعورهم بالحِنّاء ويكرهون الخضاب بالسواد ويؤثرون الحُمْرة .
والمعنى أن رؤوس فوارس الرُّوم قد خُضِّبت باللون الأحمر ليس اتباعا لسنّة الإسلام ، وإنما هي سنة السيوف التى أسالت دماءهم وخضَّبت رؤوسهم بالحمرة .

لقد تركت أميرَ المؤمنين بها …. للنار يوما ذليل الصخر والخشب
المعنى : لقد تركت يا أمير المؤمنين ( وقد حذفت أداة النداء ) بعمورية يوما ذلّ صخره وخشبه للنار التي أضرمها في المدينة .

غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى …. يَشُلُّه وَسْطَها صبح من اللهب
بهيم الليل : الليل الشديد الظلمة الذي لا ضوء فيه
يشلُّه : يطرده
المعنى أنك يا أمير المؤمنين تركت المدينة المدمَّرة وقد تحول ليلها إلى ضحى وكان ضوء النار ، الذي هو كالصبح لتوقُّده وتوهّجه ، يطرد الليل البهيم ويحوله إلي نهار .

حتى كأن جلابيب الدجى رغبت …. عن لونها وكأن الشمس لم تغب
جلابيب : جمع جلباب
الدّجى : جمع دجية وهي الظلمة
والمعنى أن النار التى أضرمها الجيش في عموريّة أزاحت الظلمة وحولت المدينة إلى نهار لم تغب شمسه .

ضوء من النار والظلماء عاكفة …. وظلمة من دخَان في ضحىً شحِب
المعنى أن ضوء النار يُصَيِّر الليل نهارا ، وظلمة الدّخَان تُصَيِّر الضحى شاحبا

فالشمس طالعة من ذا وقد أَفَلَتْ …. والشمس واجبة من ذا ولم تَجِب
ذا في الشطر الأول : لهيب النار وفي الشطر الثاني يعني : الدخان
أفلت : غابت
واجبة : غاربة .. من وجبت الشمس إذا سقطت في المغرب
والمعنى أن النار جعلت المدينة وكأن الشمس لم تغب عنها رغم أفولها ( غروبها )
والدخان حجب ضوء الشمس فصارت كأنها قد وجبت ( غربت ) .

تصرَّح الدهرُ تصريحَ الغمام لها …. عن يوم هيجاء منها طاهرٍ جُنُب
تصرَّح : تكشَّفَ
هيجاء : الهيجاء الحرب
المعنى أن الدّهر تكشَّف كما يتكشَّف الغمام عن السماء. ويعنى ب ( طاهر جنب ) أن هذا اليوم طاهر لأن ما فعل فيه ( وهو الغزو ) حلال مندوب إليه فهو طاهر من هذا الوجه، وجنب لأنهم أخذوا السَّبْي ( أسيرات الحرب ) فوطئوهن فاحتاجوا إلى الغسل ، ومعلوم أن سبايا الحرب حكمهن حكم ملك اليمين ( الإماء ) .
وقيل في البيت معنى آخر وهو أن هذا اليوم كان طاهرا على المسلمين الظافرن ، جنبا على الروم المهزومين .

لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على …. بانٍ بأهل ولم تغرب على عَزَب
بانٍ بأهل : معناها متزوِّج وأصلها بنى الرجل على أهله إذا تزوّج .
عزَب : غير متزوج
والمعنى أن الروم لم يُترَك منهم من كان بنى بأهله لأنه قُتل ، ولم يبق في المسلمين عزب لأنهم أخذو السَّبي .

ما ربع ميّة معمورا يطيف به …. غيلانُ أبهى ربيً من ربعها الخرب
ربع مية : هو المكان الذي أكثر وصف حسنه الشاعر ( ذو الرُّمة )
غيلان : هو غيلان بن عقبة ( ذو الرمة )
والمعنى أن ربع مية المعمور الذي أكثر ذو الرمة من وصف حسنه لم يكن أبهى ولا أحسن منظرا في أعين المسلمين من هذا الربع الخرب ( عمورية ) .

ولا الخدود وقد أدمين من خجل …. أشهى إلى ناظر من خدِّها التَّرِب
بعد أن ذكر الشاعر أن هذه المدينة الخربة كانت أبهى منظرا في أعين الفاتحين من ( ربع مية) وهو معمور ، أتي بهذا البيت وفيه شبه المدينة الخربة بامرأة لصق خدُّها بالتراب ، كناية عن الذل الذي لحق بالمدينة وقد استعار الخدّ ، وهو خاص بالنساء ، للمدينة بعد أن شبهها بالمرأة البكرفي البيت السابع عشر ، ثم يقول إن الخدود التي شابتها حمرة الخجل فأصبحت كالدماء ( لشدة حمرتها ) لم تكن أحسن في نظر الفاتحين من هذه المدينة (التي شبهها بامرأة لصق خدها بالتراب من الذل ) .

سماجة غنيت منا العيون بها … عن كلِّ حسنٍ بدا أو منظر عَجَب
سماجة : قبح
يجمل أبو تمام مافصله من استمتاع المسلمين الفاتحين بمنظر خراب (عمورية ) وكونه أجمل من ( ربع مَيَّة ) ومن الخدود التي أدمتها حمرة الخجل ، فيقول : إن خراب (عمورية )سماجة ع وقبح عند أهلها ، ولكنه في أعين المسلمين الظافرين يفوق كل حسن ويغني عن أي حسن .

وحسن منقَلَب تبدو عواقبه …. جاءت بشاشته من سوء منقلب
المعنى : إن حسن المنقلب للمسلمين المنتصرين ، كانت بشاشته وحينه نتيجة سوء المنقلب للكفار المهزومين .

لو يعلم المفر كم من أعْصُر كمَنَتْ …. له العواقب بين السُّمْرِ والقُضُب
أعصر : جمع عصر وهو الزمان
كمنت : اختبأت
السمر : جمع سمراء ، صفة للقناة ( الرمح )
القُضُب : جمع قضيب ، والقضيب من القسيِّ ( جمع قوس ) التي عُمِلت من غصن غير مشقوق . والقضيب من السيوف ، اللطيف الدقيق.
والمعنى أن هؤلاء الكفرة كانو غافلين في تلك الأعصر عما حل بهم من القتل والتخريب

تدبير معتصمٍ بالله منتقمٍ …. لله مرتقِبٍ في الله مُرتَغِب
المرتقب : الذي يجعل ما يرقبه بين عينيه كأنه ينظر إليه .
فيالله مرتغب : أي يرغب فيما يقرِّبه إلى الله .
والمعنى أن تدبير فتح ( عموريّة ) كان تدبير من يجعل الله دائما أمام عينيه ويرغب فيما يقربه إليه .

ومُطعَم النصر لم تكهم أسِنَّته …. يوما ولا حُجِبتْ عن روح محتجب
مطعم النصر : يعني الممدوح ( الخليفة المعتصم )
لم تَكْهَمْ : أي لم تنْبُ ، يقال نبا السيف ، إذا أصبح كليلا غير قادر على القطع ، واستعير الوصف للسنان .
الأسنَّة : جمع سنان
والمعنى أن الخليفة الممدوح متعوِّد على النصر كما يتعوّد القانص أن يطعم من لحم الصّيد، ولم تنبُ أسنّته في يوم من الأيام ولم ينج منها أحد من الكفار المهزومين .

لم يغز قوما ولم ينهد إلى بلد …. إلا تقدَّمه جيش من الرعب
لم ينهد : لم ينهض
والمعنى أن اللمدوح لم يخرج اغزو قوم ولم ينهض للسير إلى بلد إلا سبقه جيش من الرعب إلى البلد أو القوم الذين خرج لغزوهم .

لو لم يقد جحفلا يوم الوغى لَغَدا …. من نفْسِهِ وحدها في جحفل لَجب
الجحفل : الجيش العظيم
الوغى : الحرب ، وأصل معنى الكلمة الصوت ثم سميت الحرب بها .
لجب : صَخِب كثير الأصوات
والمعنى أن الخليفة لو خرج وحده لكان كأنه جيش لِعِظَم شأنه .

رمى بك الله بُرْجَيها فهدَّمها …. ولو رَمَى بك غيرُ الله لم يُصِب
المعنى أن قتالك كان لنصرة دين الله فكأن الله هو الذى رمى بك ، ولو كان قتالك لغرض غير نصرة دين الله لم تُنصَر عليهم ولم تصبهم

من بعد ما أشَّبوها واثقين بها *** والله مفتاح باب المعقل الأشِب
وقال ذو أمرهم لا مَرْتعٌ صدَدٌ *** للسارحين وليس الوِرد من كَثَب
أمانيا سلبتهم نُجْحَ هاجسها *** ظُبَى السيوف وأطراف القنا السُلُب

أشَّبوها : صعّبوا أمرها والمراد هنا لفّفو حولها الجند ، من قولهم تأشّبَت الغَيْضة ( الأجَمة ) أي التفّت أشجارها . ـ الأشِب : المنيع
ذو أمرهم : رئيسهم ـ المرتع : المكان الذي ترتع فيه الراعية . ــ صدد :ما بين القريب والبعيد
للسارحين : الذين يسرحون بالدواب للرعي . ـ كثب : قُرْب
الهاجس ما يهجُس في الصدر من أفكار . ـ ظبي السيوف : جمع ظُبة وهي حد السيف
القنا السُلُب ، يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون جمع سلوب ، كأنه يسلب الناس أموالهم ، والآخر أن يكون جمع سلِب وهو الطويل ، يقال رُمْح سَلِب .
ومعنى الأبيات أن الكفار المهزومين كانو قد حصّنوا مدينتهم وأحاطوها بالجند والرماح حتى أصبحت كالأجمة التي التفَّ شجرها وباتوا آمنين واثقين من منعتها واستحالة فتحها ، ولم يعلموا أن الله قادر على تذليل كل صعب أمام المسلمين وفتح باب كل المعاقل والحصون المنيعة أمامهم .
وكان رئيسهم قد طمأنهم وقال لهم : لا تخافوا هؤلاء فإنهم لا يجدون مرتعا ولا مسرحا لدوابهم .
ولكن هذا التقدير كان مجرد أمانيَّ أطاحت بها ظبى السيوف وأسنة الرماح .

إن الحِمامين من بيض ومن سُمُر *** دلوا الحياتين من ماء ومن عشُب

الحِمام: الموت
بيض : جمع أبيض وهو السيف
سمُر ، القنا ( الرماح )
وقد ثنَّى الشاعر كلمة الحمام فصارت الحمامين أي الحمام بالسيف والحمام بالرمح .
والمعنى أن الموت بالسيف والموت بالرمح دلوا الحياتين : الحياة بالماء والحياة بالنبات ، إذ كان لا بدّ منهما أو مما يحيا بهما فكأنهما يستقيان هاتين كما يستقي الدلوان الماء .

 

Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url